ما السر في أن المسيح وحده، دون كل البشر، هو الذي لا يُسجَل له الوحي المقدس ولا التاريخ البشري أية خطية، لا بالفكر ولا بالقول ولا بالعمل؟ السبب هو أنه لم يكن مجرَّد إنسان. إن القداسة صفة أصيلة من صفات الله. فليس عجيبًا أنه عندما يولد ابن الله، يقول عنه الملاك جبرائيل للمطوَّبة مريم: «الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ الله» ( لو 1: 35 ).
لقد عاش المسيح هنا فوق الأرض أكثر من ثلاثين سنة، وتكالبت ضده كل قوى الشر، وتجرَّب بكل التجارب نظيرنا تمامًا، ولكن يؤكد الوحي أنه “تجَرَّبَ بِلاَ خَطِيَّةٍ” ( عب 4: 15 ). ونعرف من الكتاب المقدس، وكتاب الاختبار، أنه لم يوجد بين البشر مَنْ لم يسقط في التجربة أمام الشيطان، بل لقد نجح الشيطان أيضًا في إسقاط جمهور كبير من الملائكة ( رؤ 12: 4 ، 7؛ مت25: 41). لكن هناك شخصًا وحيدًا في الأرض وفي السماء، لم ينحنِ لتجارب الشيطان، هو المسيح.
إنه «لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً» ( 1بط 2: 22 )، «لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً» ( 2كو 5: 21 )، «وَلَيْسَ فِيهِ خَطِيَّةٌ» ( 1يو 3: 5 ). الشياطين نفسها اعترفت بأنه القدوس فقالت: «أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ: قُدُّوسُ اللَّهِ!» ( مر 1: 24 ). والوالي الذي فحص قضيته، أقرّ سبع مرات أنه لم يجد فيه عِلَّة واحدة ( مت 27: 24 ( مت 27: 4 ( لو 23: 41 ، 14، 22؛ يو18: 38؛ 19: 6). ويهوذا الخائن الذي أسلمه، ردّ الفضة بندمٍ قائلاً: «أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَماً بَرِيئًا» ( لو 23: 47 ، 5). واللّص الذي كان مصلوبًا إلى جواره قال: «هذَا ... لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ» ( يو 8: 29 ). وقائد المئة الذي كُلِّف بعملية صلب يسوع وحراسته، قال: «بِالْحَقِيقَةِ كَانَ هذَا الإِنْسَانُ بَارًّا!» (لو23: 47). وأما المسيح فقد شهد عن نفسه قائلاً: «لَمْ يَتْرُكْنِي الآبُ وَحْدِي، لأَنِّي فِي كُلِّ حِينٍ أَفْعَلُ مَا يُرْضِيهِ» (يو8: 29).