جاءت السَّامرية إلى البئر كعادتها لتملأ جرَّتها الفارغة، وفوجئت برجل يهودي يطلب منها أن تسقيه ماء، ولم تكن تعلم آنذاك أنه المسيح الذي يريد أن يُقدِّم لها أعظم عطية على الإطلاق، وهي عطية الروح القدس، المُشار إليه بالماء الحي، الذي ينبع إلى حياة أبدية.
بدأ الرب الحديث معها لأنه كان يعلم أنها لن تبادر بذلك. ولأنه يعلم أنها في حاجة شديدة إليه، وإن كانت لا تدري ذلك. لكن العجيب أنه لم يفتح الحديث بأي كلام، لكنه طلب ماء ليشرب كما لو كان هو العطشان وليس هي، وبَدَا وكأنه هو المحتاج إليها، رغم أنها في أَمَسَّ الحاجة إليه، فلم يكن عطشها إلى الماء الحرفي فحسب، لأن المشكلة الكبرى لم تكن في معدتها الفارغة أو حلقها اليابس، بل في قلبها الفارغ، وفي جفافها الروحي الشديد. ظنت أن العالم بكل ملذاته يمكن أن يُشبع عواطفها أو يملأ قلبها، فاحتارت بين العشيق والآخر ولم ترتوِ. نقرَت لنفسها أَبْآرًا مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءًً، فكانت تُشبه جرَّتها التي سرعان ما تفرغ، فتذهب إلى البئر لتستقي من جديد، لقد غرفت من آبار الشهوات الجسدية بقدر ما مَلكت، ولم تتذوق معنى الحب أو الفرح الحقيقي، حتى جاء إليها ينبوع المياه الحية بنفسه.
وما أشبه اليوم بالبارحة فالعالم يمتلئ بأمثال هذه المرأة، سواء من الرجال أو النساء؛ فتيان وبنات يتلهفون على ماء العالم الذي وصفه الرب بأن مَنْ يشرب منه يعطش أيضًا. بينما لم يَزَل المسيح في ملء نعمته ومحبته يمد يد المبادرة في آخر كلمات الوحي داعيًا كل نفس عطشى قائلاً: «مَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا» ( رؤ 22: 17 ). لم يَزَل ينادي - للذين أتعبتهم خطاياهم وأثقلهم الشعور بالذنب - قائلاً: «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ» ( مت 11: 28 ).