ما أسعدنا بهذا القول: «لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ»! ففي هذا العالم نتمتع باهتمام الآب وعنايته، بسهره علينا ومحبته. فنحن في البرية حيث الاحتياج إلى حماية الآب. وهذا مما يجعل البرية مباركة لأن فيها يُبيّن الله اهتمامه بنا. أما في السماء فلا يلزمنا شيء من متعلقات البرية هذه حيث تكون الظروف قد تغيَّرت إذ نوجد في دائرة شبع السرور، هناك لا يُحيطنا أي هَمّ، بعكس البرية التي فيها يُثْقِلُ الهَمُّ قلوبنا.
والرب يسوع يضع الهَمّ في قائمة أمور قد نظن أنها لا تتساوى معه، حيث نقرأ القول الكريم: «هَمُّ هَذَا الْعَالَمِ وَغُرُورُ الْغِنَى يَخْنُقَانِ الْكَلِمَةَ» ( مت 13: 22 ). للغنى غرور، لكن الهَمّ، يعمل نفس العمل، يخنق الكلمة. ولنلاحظ أن المقصود هو الاهتمام بالأمور التي لا غبار عليها، ومع ذلك فهو في الواقع امتهان لاهتمام الآب أن نحمل هذه الهموم. وإذ يرمقنا سَيِّدنا ونحن في الموضع الذي تكثُر فيه الهموم، يقول لنا: «لاَ تَخَفْ، أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ». فمهما تكن قطيعًا صغيرًا، فلك الله الآب، ومسرة قلبه أن يقوم لك بدور الآب.
ولاحظ أيها الأخ العزيز أن كلمة “سُرَّ” في هذه المناسبة، هي نفس الكلمة التي يستخدمها الآب عن ابنه الحبيب «هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ». وهي نفس الكلمة التي جاءت على لسان الملائكة: «وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ»؛ أي أن مَسَرَّة الله هي أن يقوم لي بدور الآب. وهكذا يُشجعني سَيِّدي بالقول: «لاَ تَخَفْ». وفي ضوء هذا التشجيع لا داعي للقلق أو الارتباك لأي أمر من الأمور. ومع أنني مَحُوط بهذه الأشياء، فإن قول سَيِّدي يُحررني من الخوف. لكنني تحت التزام أن أُظهر الحالة الأدبية التي توافق الظروف التي أُوجَد فيها.