سفر العدد 16 يُضيف صفحة مُرعبة لخطـايا الشعب المُحزنة في أثناء رحلة البريَّة. وتُسمّي رسالة يهوذا قصة هذا الأصحاح “مُشَاجَرَةِ قُورَحَ” (يه11)، وفيها نرى إلى أي مدى تقود الكبرياء؛ إنها تقود إلى العصيان على الله. كان قورح لاويًّا من عشيرة قهات، وكانت له خدمة شريفة. لكنه طمع في الكهنوت الذي أعطـاه الله لهارون وبنيه (ع10). لم يكتفِ بأن يعمل خدمة المسكن ويقف قدام الجماعة لخدمتها (ع9)، بل أراد الارتفاع عن هذا المستوى. وبالأسف نجد بعض المؤمنين لا يكتفون بالخدمة التي ائتمنهم عليها الربّ، ويريدون أن يكونوا ظـاهرين، وأن يكونوا فوق الآخرين، على العكس تمامًا من روح ذاك الذي لم يأتِ ليُخدَم بل ليخدِم ( مر 10: 45 ). وإذ وضع الربّ يسوع نفسه، فقد رفَّعه الله ( في 2: 9 ) وأيضًا العكس صحيح «مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ» ( لو 14: 11 ).
وبالنسبة لداثان وأبيرام فإنهما تجاسرا ووصفا أرض مصر بالصفات التي أطلقها الرب على أرض كنعان «أَرْض تَفِيضُ لبَنًا وَعَسَلاً» (ع13)، وضاقوا ذرعًا بقيادة موسى للشعب. هؤلاء يمثلون تمرّدًا سياسيًا، كما يمثل قورح تمرّدًا دينيًا. وقورح وزملاؤه، لم ينتظروا طويلاً قبل أن يحلّ عليهم القضاء؛ فَتَحَتْ الأرض التي تحت أقدامهم فَاها، ثم ابتلعتهم أحياء، هم وكل ما لهم. وكما تمرّدت تلك الجماعة على موسى وهارون، فقد حدث إنكار في المسيحية الرسمية لحقوق المسيح باعتباره رسول الاعتراف (موسى الحقيقي)، ورئيس كهنته (هارون الحقيقي). ولا أمل في إصلاح المسيحية التي تحولت عن الحق الخاص بالمسيح، والمطلوب من الأمناء هو الانفصال. وهو ما طلبه موسى قائلاً: «اعْتَزِلُوا عَنْ خِيَامِ هَؤُلاءِ القَوْمِ البُغَاةِ» (ع26).