لم يكن الرب يسوع هو القادم إلى بطرس وهو في السفينة، ولكن بطرس هو الذاهب إلى الرب يسوع على المياه. وهناك فرق كبير بين مجيء الرب يسوع إلينا في ظروفنا الحرجة ومواقفنا الضيقة لكي يبدِّد مخاوفنا ويهدئ روعنا ويطيَّب قلوبنا، وبين ذهابنا نحن إلى ربنا يسوع وقصدنا إياه تاركين الظروف وشأنها، خارجين من سفينة الوسائل الطبيعية للسير مع المسيح بالانتصار على الظروف. فالحالة الأولى تذكّرنا بأرملة صرفة صيدا (1مل17)، والثانية ترجع بأذهاننا إلى المرأة الشونمية (2مل4).
ويحسن بنا أن نُميِّز بين هاتين الحالتين، لأنه طالما خلطنا بينهما، إذ كلنا نرتاح لفكرة مجيء الرب إلينا ليكون معنا وتُحيط بنا مراحمه وتحدق بنا أفضاله في سيرنا اليومي، فنحب أن نمكث ونطيل في وسط صلات الطبيعة وأفراح الأرض، تلك البركات والنعم التي يجود بها الله علينا بسخاء فنبقى فيها. وعندها لا تشتاق قلوبنا إلى شركة أشد قربًا، وعشرة أكثر متانة مع المسيح المرفوض، وعندئذٍ تخسر نفوسنا خسارة فادحة. وليس المعنى أننا نحتقر بركات الله ونِعَمُه ونزدري بها، ولكن يجب أن نفضَّل الله أكثر من عطاياه. ونحن نحكم بأن بطرس لو بقى في السفينة لكان في خسر مبين.
ولكن البعض ربما يحسبون بطرس متهورًا طائشًا، أما نحن فنعتقد بأن أقواله كانت ثمرة الأشواق الحارة والرغبة الشديدة ليكون بقرب سَيِّده المحبوب مهما كلَّفه ذلك وعانى من الأهوال. أما وقد رأى بطرس سَيِّده ماشيًا على الماء اشتاق للسير معه، وكان في أشواقه مصيبًا!