من عظيمِ عِناد الإنسان، وعدمِ إيمانه وغرورِه أن يخلِدَ الى تأجيل وقت التوبة وقبول نعمة الخلاص. بينما كلمةُ بشارة الإنجيل هي “الآن”. ولهذه اللفظة أهميتُها القصوى في رسالة الإنجيل، ومعناها البليغ يجب ألَّا يتغافلَ عنه كلُّ من يهُمُّه أمرَ خلاص نفسه. الآن هو يومُ الخلاص ذلك لأن هذا العصر عصرُ النعمة، إذ أكمل الفادي عملَهُ الكفاري على الصليب، وأبان نُصرتَه بالقيامة من الأموات، ثم جلس في يمين العظمة في الأعالي، مُتشفعًا في مَن يطلب القبولَ بواسطته. فمنذ ذلك الحين قد خرج المُنادون بالغفران والحياة الأبدية في كل عصر مُقدِّمين الخلاصَ المجاني لكل مَن يريد.
تنطِقُ لفظةُ “الآن” الواردة في رسالة الخلاص بما يفيضُ به قلبُ الله من محبةٍ شديدة نحو الإنسان الخاطئ الأثيم، واستعدادِه التام لقبوله عند التوبة والإيمان بالفادي. فليس للإنسان استحقاقٌ يمكنه أن يستندَ إليه في إقباله إلى الله، غيرَ أن له ما هو أفضل، وهو وعدُ الله وعهدُه في شخص المسيح. وعليه يتجاسرُ كلُ تائب طالبٌ نعمةَ الخلاص، أن يأتي الآن إلى الله كما هو، ويوقنَ أنه سيُحرزُ كلَ ترحيب وقبول عند الآب الحنون بفضل فداء المسيح.
تُحذّرُ لفظةُ “الآن” من خطر التأجيل. فاليومُ لنا والآن يمكن أن ننالَ الخلاص إذ سمعنا نداءَ الإنجيل المُلِّح. أما في الغد فلا ضمانَ أنه ستعود تَسنحْ لنا فرصةُ اليوم لقبول الخلاص. ولا يُقدَّمُ لنا الوحيُ الإلهي أقلَّ أملٍ بأن بابَ الرجاء سيبقى دائمًا مفتوحًا لنا. فلا بد من الانتفاع بنعمته الحاضرة، لئلا تؤخذَ عنا في المستقبل، إذا رُفِضَتْ الآن. ولا يغرُب عن البال أن القلبَ الذي يتأثر اليومَ بصوت الله ودعوةِ نعمته، إن لم يُسلَّمْ إلى الله الآن، فإنه قد يتقسى غدًا، ويعتادُ على إهمال نعمةِ الله، إلى أن يغدو قاسيًا كحجر الصوان، لا يتأثر فيما بعد من صوت النداء.