قد نتعجَّب كثيرًا عندما نشاهد أحدهم واقفًا في إحدى ليالي الشتاء القارس، يرتجف من شدة البرودة ويشكو قسوة الصقيع، بينما يحمل على ذراعه بالطو من الفراء رافضًا ارتدائه، وحارمًا نفسه من دفئه! واستغرابنا من منطق هذا الرجل، يفضح حالتنا المتَّسمة بالقلق والتوتر الدائم، غير سامحين لسلام الله أن يعمل مفعوله العجيب بحفظ قلوبنا وأفكارنا في حالة الهدوء والطمأنينة.
وما يجعل الافتراض السابق واقعي وحقيقي هو القدرة العجيبة، بل والمعجزية لسلام الله، فهو يعمل متحديًا أصعب الظروف، وهو بذلك يختلف اختلافًا شاسعًا عن السلام الطبيعي، وإن كان هناك شبه اتفاق في مظهرهما الذي يتَّصف بهدوء النفس الخالي من القلق والتوتر، إلا أن السلام الطبيعي في غاية الضعف والهشاشة، فهو يُملي شروطًا كثيرة معقدة وحساسة، وهي غياب كافة أنواع المشاكل والتحديات والصراعات سواء كانت صحية، عائلية، اقتصادية ... إلخ. إن غابت هذه الشروط زال السلام فورًا وحلَّ الرعب والقلق، فالبيئة التي يحتاجها مثالية لدرجة يندر تحقيقها في الواقع، وإن وُجدت فهي توجد لفترة مؤقَّتة قصيرة، ومجرَّد تخيل انتهاء هذا الوقت، أو تغير الظروف المسبِّبة له، كفيل بتعطيل السلام، وإن توافرت شروطه حينها.
ولهذا لا يعدنا الله بمثل هذا النوع من السلام، ولكنه يقصد نوعًا مختلفًا تمامًا، يسميه الكتاب “سَلاَم الله”. ومصدر هذا السلام هو الله نفسه، والله بمفرده؛ فهو لا يحتاج إلى الاستعانة بأشخاص أو ظروف، بل يقدر أن يمنح سلامه بالرغم من أي شيء، لأنه هو “إِلهُ السَّلاَمِ”. وهذا الاسم لا يكشف لنا فقط مصدر السلام، بل يوضِّح أن منحه ليس فعل الله الاستثنائي، بل هو ما يُميِّزه، وما يتَّفق معه.