الشخص المتواضع ليس هو الذي يُفكر بأقل مما يجب في نفسه، بل هو ببساطة الذي لا يُفكر مُطلقًا في نفسه! فالاتضاع هو تلك النعمة التي متى أدركت أنك تملكها، عندئذٍ تفقدها! والإنسان المتواضع حقًا يعرف نفسه، ويتقبلها كما هي «أَنْ لاَ يَرْتَئِيَ فَوْقَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَئِيَ، بَلْ يَرْتَئِيَ إِلَى التَّعَقُّلِ، كَمَا قَسَمَ اللهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِقْدَارًا مِنَ الإِيمَانِ» ( رو 12: 3 )، كما يُخضع نفسه للرب يسوع المسيح، ليكون خادمًا له، ولكي يستخدم الرب شخصه وما له، لمجده ولخير الآخرين «لاَ تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لآخَرِينَ أَيْضًا» ( في 2: 4 ). فالدعوة هنا لأن تتحوَّل عينا المؤمن من على نفسه، لتركز على احتياجات الآخرين. والتفكير في الآخرين بطريقة عقلية مُجرَّدة لا يكفي، لأننا يجب أن نتضع فنخدمهم بالحق.
إن صاحب الْفِكْر الْمُتَّضِع الخاضع لا يهرب من التضحية، بل يحيا لمجد الله ولخير الآخرين. هكذا فعل الرسول بولس ( في 2: 17 )، وتيموثاوس ( في 2: 20 )، وأيضًا أَبَفْرُودِتُسَ ( في 2: 30 ). فالخدمة والتضحية يسيران معًا، طالما كانت الخدمة عن إيمان مسيحي صادق.
والْفِكْر الْمُتَّضِع الخاضع لا يُختَبَر فقط في مقدار الاستعداد لتحمل المعاناة، بل أيضًا في مقدار الاستعداد للعطاء المُضحي. وكلما أعطينا أكثر أخذنا أكثر، وكلما ضحينا أكثر باركنا الله أكثر. وهذا هو السبب في فرح أصحاب الْفِكْر الْمُتَّضِع الخاضع، لأنه يجعلنا مُتشبهين أكثر بالرب يسوع. وبالطبع إذا كانت المحبة هي الدافع، فلن نذكر أو نُقيس مقدار التضحية. فالشخص الذي يتحدث كثيرًا عن تضحياته في الخدمة، ليس لديه الْفِكْر الْمُتَّضِع الخاضع.