إن منظر الرب وهو ماشٍ فوق الماء ملأ قلوب التلاميذ بالفزع. أن تهب العاصفة، وأن يثور البحر، وأن تشتد الظلمة، هذه كلها أمور مخيفة؛ أما أن يقترب إليهم شبح، وهم في هذا الوضع، فهذا أرهب جدًا. لعلَّهم ظنوه خيالاً آتيًا إليهم من العالم غير المنظور لكي ينقلهم إلى هذا العالم المجهول، عالم الأموات. لكن اتضح أنه “عمانوئيل” وليس “عزرائيل”! على أن هذا يُظهر لنا مقدار ضعف الإنسان، الذي يخاف من خيال! والذين كانوا خائفين من غياب الرب عنهم، خافوا أكثر عندما أتى إليهم. وهذا يذكرنا بما حدث عشية يوم القيامة: كانوا في العلية المُغَلَّقة خائفين ( يو 20: 19 )، ثم عندما أتاهم، الذي هو مطلبهم الوحيد، جزعوا وخافوا ( لو 24: 37 -39)! ونحن أيضًا كثيرًا ما ظننا أن وجود الرب بالقرب منا إنما هو خيال، أو من نسج الخيال.
لم يترك الرب تلاميذه وأحباءه فريسة للخوف والقلق لمدة طويلة، بل إنه «للوقت» أرسل إلى قلوبهم كلمات التشجيع والطمأنينة، كما يحدث معنا نحن أيضًا كثيرًا. وما أكثر ما وردت كلمة “لاَ تَخَفْ” في الوحي المقدس! أول مرة قالها الرب كانت لإبراهيم أبي المؤمنين، فحتى بطل الإيمان إبراهيم كان يحتاج لهذه الكلمة: «لاَ تَخَفْ يَا أَبْرَامُ» ( تك 15: 1 ).
والسبب الرئيس لعدم الخوف هو حضور: «أَنَا هُوَ». وعبارة: «أَنَا هُوَ» هي باليوناني: “إجو آيمي”، وهو أحد أسماء الجلالة ( خر 3: 14 ). نفس العبارة التي استخدمها الرب هنا. والحقيقة أنه من العبث أن نطلب من الناس الشجاعة لو كانت حياتهم خالية من المسيح. إن من لا يتمتع بنور وجه المسيح عليه أن يخاف، ولكن إن كان هو حاضرًا، فلا محل للاكتئاب، ولا للفزع والاضطراب.