الضرب! يا للعجب! إن «الضَّرْبُ لِظَهْرِ الْجُهَّالِ» كما يُعلّمنا الحكيم ( أم 19: 29 )، وناموس موسى قضى بأن يحكم القضاة على مذنب مستوجب الضرب بطرحه وجلده على ألا تزيد جلداته على الأربعين ( تث 25: 1 -3). أما الرب يسوع فقد كان أمام الناس وأمام الله بلا خطية وبلا ذنب، قال عنه الحاكم الروماني «لَمْ أَجِدْ فِي هذَا الإِنْسَانِ عِلَّةً» ( لو 23: 14 )، والآب من السماء أعلن أنه وجد مسرته في ابنه الحبيب. ومع ذلك فعن هذا الكامل الذي بلا عيب وبلا خطية نقرأ القول: «بِحُبُرِهِ (بجلداته) شُفِينَا».
إن الإهانات واللكمات والجلدات الصادرة عن أناس قساة شرسين، لم تكن هي الضربات التي بها شُفينا. إن المتألم القدوس وقعت عليه ضربات من يد الله كما من يد الناس «لأَنَّ الَّذِي ضَرَبْتَهُ أَنْتَ هُمْ طَرَدُوهُ» ( مز 69: 26 ). ويُشير “الضرب” في الكتاب المقدس إلى توقيع دينونة إلهية. ويا له من أمر عجيب ومُدهش أن ينصّب الغضب الإلهي على الرب يسوع، وأن يتم لنا بضربه الشفاء! إن طرق نعمة الله ليست كطرقنا؛ فالعبد الذي يعلم إرادة سَيِّده ولا يستعد ولا يفعل بحسب إرادته، فبالعدل يُضرَب كثيرًا ( لو 12: 47 )، أما ربنا يسوع الذي علم ما هي إرادة الله، وأطاع تلك المشيئة إلى النهاية، فبالنعمة تحمل في نفسه ضربات غضب الله، وبضربته شُفينا.
إن ترى تلك الضربات الشديدة المبرحة غير المنظورة والفائقة الإدراك التي نزلت على الرب يسوع هي التي أتت لنا بالشفاء؛ فبدون الصليب وضرباته ما كان يمكن أن يكون هناك بلسم من جلعاد للمجروحين. إنه عندما قُطعت شجرة اللعنة، شجرة الجلجثة، وطُرحت في مياه ماره، حينئذ فقط صارت المياه عذبة وصالحة لإطفاء عطش الخطاة التائبين، وإنعاش قلوب القديسين المُثقلين.