لقد فدى الله إسرائيل من أرض مصر، ولقد أجرت يمينه عجائب لصالحهم، ولم تكن هناك حاجة لديهم لم يسددها الله، ومع ذلك فقد ارتكب إسرائيل خطأين فادحين مؤسفين: الخطأ الأول وهو ما نقع فيه جميعًا، هو النسيان «أَسْرَعُوا فَنَسُوا أَعْمَالَهُ». أما الخطأ الثاني وهو أيضًا كثيرًا ما يُصيبنا كما أصابهم «لَمْ يَنْتَظِرُوا مَشُورَتَهُ».
نحن نعلم جميعًا أن الطعام الذي أرسله الله لهم هو المَنَ “خُبْز السَّمَاء”، غير أن الشعب احتقر هذا الطعام الذي أمدتهم به السماء. لقد استجاب الشعب لشهوته الطبيعية الجسدية وانجذب وراءها، وطلبوا اللحم بدلاً من المَنّ، وإذ لم ينتظروا مشورته، أعطاهم الله سُؤْلَهُمْ فأرسل لهم الريح حاملة لهم السَّلْوَى إلى المحلة، فالتهموها بشراهة حتى خرجت من مناخرهم، غير أنه، وبينما اللحم ما زال في أفواههم وبين أسنانهم، حميَ غضب الرب عليهم، وضرب الرب الشعب ضربة عظيمة جدًا، فمات كثيرون (عد11). وعلى هذا يعلّق المرنم قائلاً: «فَأَعْطَاهُمْ سُؤْلَهُمْ، وَأَرْسَلَ هُزَالاً فِي أَنْفُسِهِمْ» ( مز 106: 15 ).
ويا ليتنا نتحذر كثيرًا من هذين الخطأين؛ خطأ النسيان وخطأ التسرع وعدم انتظار الرب، فقد نظن أحيانًا أننا نعرف مصلحتنا أكثر مما يعرفها هو، وننسى يده الكريمة التي قادتنا في أرض هضاب ووديان، ونُسرع للتصرف دون أن ننتظر مشورته، ودون أن ننتظر معونة السماء التي يقدمها لنا بكل حكمة ولطف، فنلّج في طلب شهوتنا ورغبتنا بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى، وما أتعسنا وأشقانا، وما أبأس مصيرنا لو استجاب الرب طلباتنا غير المتوافقة مع إرادته، حيث لا بد أن يلازمها “هُزال في النفس”! الرب يحمينا من حالة كهذه لا تُسرّ قلب الرب، وتجلب علينا وبالاً وخيمًا.