هناك، عند قدميه، حيث جلست مريم مرة لتنهل من كلماته، كلمات النعمة والحق، جاءت الآن لتبث شكوى نفسها «يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ ههُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي!». وكان في هذه الكلمات شيء من الحق، لأنها آمنت أن للرب سلطانًا على الموت نفسه. وكان فيها شيء من سوء الفهم، لأنها ظنت أنه يتحتم أن يأتي الرب إلى بيت عنيا ليحفظ حياة أخيها. وكان فيها شيء من الجهل أيضًا، لأنها لم تعرف أن موت لعازر كان لأجل مجد الله، وأنه من القبر ستأتي المفاجأة لها.
ولكن رأى الرب دموع مريم. لقد قَبِل كلمات الشكوى الرقيقة كما هي، ولم يُبدِ أية ملحوظة. لكن دموعها حرّكت وأظهرت عواطفه الداخلية. إن عينيها المغرورقتين أخبرتا عن أعماق حزنها، أكثر مما تخبر الكلمات، فبكى معها جيرانها اليهود، لأن البكاء والعبرات سريعة العدوى.
ولكن أعجوبة العجائب لم تََزَل بعد آتية، فابن الله الأزلي المبارك، جعل نفسه واحدًا مع الباكين «فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ تَبْكِي، وَالْيَهُودُ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا يَبْكُونَ، انْزَعَجَ بِالرُّوحِ وَاضْطَرَبَ ... بَكَى يَسُوعُ».
وما أقدس دموع مريم التي حركت دموع الرب يسوع!
وما أعجب هذه العبارة القصيرة التي هي أقصر من كل عبارات الكتاب الحلوة «بَكَى يَسُوعُ»؛ لقد بكى بدموع الحنان، فأعلن محبة قلبه الرقيق الفائقة، قلبه المُثقل بربوات أحزان عالم يئن ويتمخض. فمع أنه، له المجد، يعلم أنه بعد لحظة ستنظر مريم وستعانق أخاها الذي تبكيه، لكن “بَكَى يَسُوعُ”، وذرف الدموع لأجل الحزانى، ومع الحزانى، وكل قطرة من دموعه كانت تحكي قصة رقته وعطفه ورثائه وحنانه.