هذه الحادثة تحكي لنا قصة الفداء موجزة مركزة. فها المُخلِّص الفادي على الصليب، وبجواره إنسان خاطئ تاب وآمن فخلص، وفي المقابل خاطئ آخر احتقر ورفض فهلك. كلاهما كان له الماضي الأثيم نفسه، وينطبق عليهما قول الكتاب «لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ. إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ الله» ( رو 3: 22 ، 23). لكن ليس ذلك فقط، بل كان كلاهما على بُعدٍ متساوٍ من المُخلِّص، وكانا تحت الظروف عينها، وكلاهما شاهد مشهد الصليب المؤثر في الوقت عينه، لكن واحدًا تأثر وتغيَّر وتبرر، وبقي الآخر كما كان. هل هذا عجيب؟ ألا نقرأ عن أول أخوين: أن هابيل تبرَّر وخلص، وأما قايين فهلك؟ وهنا واحد من اللصين خلص، والآخر هلك؟
إذًا لقد قسم المسيح وهو على الصليب الأوسط العالم إلى فريقين. وهكذا هي الحال دائمًا: فقد وُضع المسيح لسقوط وقيام كثيرين ( لو 2: 34 )، والبشارة بالصليب هي للهالكين جهالة، وأما عندنا نحن المُخلَّصين فهي قوة الله ( 1كو 1: 18 )، وأخبار الإنجيل هي لأُناس رائحة حياة لحياة، وللآخرين رائحة موتٍ لموت ( 2كو 2: 16 ). ولا نجد تفسيرًا لكل هذا سوى مُطلق سلطان الله.
لقد اشترك اللصان في البداية في تعيير المسيح، مُقلّدين في ذلك رؤساء الكهنة والكتبة. وما أتعس الحالة التي تردَّى فيها هذان اللصان وهما على شفا الأبدية، وما أتعسهما وهما يهدران بكلمات التعيير ضد المتألم القدوس، وهو يقاسي آلامهما وعارهما بالذات. وقد يبدو غريبًا أن اللصين كانا يُعيّران المسيح، فربما لم يرياه من قبل، وهو بالتأكيد لم يعمل لهما أي شيء يسيء إليهما، فلماذا يكرهانه؟ ولماذا أبغضه باقي البشر؟ ليس لكل ذلك سبب إلا ما قاله المسيح «إِنَّهُمْ أَبْغَضُونِي بِلاَ سَبَبٍ» ( يو 15: 25 ). فما هو موقفك أيها العزيز من ذاك الذي مات من أجلك؟