يحدثنا البشير متى في ثلاثة فصول متتالية عن مواضع لها ذكريات عزيزة على قلوب المفديين: فهو يحدثنا في الأصحاح 26 عن «ضَيْعَةٍ يُقَالُ لَهَا جَثْسَيْمَانِي» ( مت 26: 36 ). من هذه الضيعة بدأ المسيح رحلة المُعاناة والألم، ألم المحبة الذي تحمَّله طواعيةً ليفدينا. ثم يحدثنا في الأصحاح 27: 33 عن «مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ جُلْجُثَةُ، وَهُوَ الْمُسَمَّى مَوْضِعَ الْجُمْجُمَةِ»، وهناك تحمَّل المسيح الآلام الكفارية الرهيبة لأجلنا. وفي الأصحاح 28 نجد الموضع الثالث العزيز على قلوبنا جدًا، أعني به «القبر الفارغ». فلقد قام المسيح من الأموات ناقضًا أوجاع الموت، إذ لم يكن ممكنًا أن يُمسَك منه.
كم عزيزة علينا جدًا هذه الأماكن حيث بدأ سَيِّدنا رحلة المُعاناة والألم، وحيث وصل الألم ذروته، وأخيرًا حيث زالت حقًا المرارة والألم وإلى غير رجعة.
وفي الحقيقة إن بستان الأحزان، ومن بعده الصليب الرهيب، وأخيرًا القبر المُظلم الكئيب، هذه الأماكن التي دخل فيها المسيح بمفرده، كان يجب أن تسبق أفراح القيامة التي في كَرَمه ارتضى أن يشركنا معه فيها.
لقد أتت المرأتان في الصباح لتنظرا القبر، فأخبرهما الملاك بحقيقة قيامة المسيح من الأموات، ودعاهما لمشاهدة القبر الفارغ بأعينهما، ثم دعاهما لتذهبا مع تلاميذه إلى الجليل، وهناك يرونه (ع7). ويا له من تدرج مجيد: من رؤية القبر، حيث ذَوَت كل الآمال وانتهت، إلى رؤية الموضع الذي كان الرب مُضجعًا فيه، ولكنه موضع فارغ ليس فيه الحبيب، وهو ما يعطي نوعًا من الأمل، وأخيرًا رؤية شخصه حيًا، كالمُقام من بين الأموات، أمل الحياة وفرحتها!