لا شك أن التلاميذ لم يفكروا إلا في العاصفة الثائرة والأمواج العاتية والسفينة الآخذة في الامتلاء، فكان حكمهم حسب الرأي الإنساني أن لا خلاص لهم ولا مناص، ومن ثم استسلموا لليأس والقنوط، وهذه هي نهاية عدم الإيمان. أما التفكير في الرب وفي قدرته، فكان بعيدًا عنهم في ذلك الوقت، ولذلك امتلأوا بالخوف.
إن عدم الإيمان ينظر إلى الظروف ويغض الطرف عن الله، أما الإيمان فعلى الضد من هذا، ينظر إلى الله ويضرب صفحًا عن الظروف. الإيمان يُسرّ بنهاية الإنسان لأنها تُفضي إلى بداية الله. وما أجمل أن يكون الله هو العامل وحده، وأن يُفسَح له المجال ليقوم بعمله ويعلن مجده. وهو يريد الأواني الفارغة لكي يملأها هو. هذا هو الإيمان الذي كان يمكنه بكل تأكيد أن يجعل التلاميذ ينامون بجانب سيدهم في وسط الزوابع. أما عدم الإيمان فقد أوقع الرعب في قلوبهم، فحُرموا من الراحة، وبسبب مخاوف عدم إيمانهم، أيقظوا الرب من نومه الذي كان نتيجة التعب والكدح المتصل في الخدمة، حتى أنه انتهز فرصة اجتياز السفينة في البحر لينام هنيهة ويستريح. لقد اختبر الرب التعب، ولذلك يتنازل إلينا في كل ظروفنا. لقد تجرَّب في كل شيء مثلنا بلا خطية، إذ كان هنا كإنسان تام، وكإنسان نام في السفينة وكانت العاصفة تضرب إلى السفينة والأمواج تلاطمها مع أن الذي فيها هو الخالق العظيم في صورة خادم تاعب نائم.
وما أبدع أسلوب الرب في العمل! فبدون أية مشقة، قام من راحة الناسوت إلى عمل اللاهوت. كإنسان تعب من العمل ونام، وكالله قام وبصوته القدير أبكم العاصفة وهدّأ البحر. هذا هو يسوع، الله وإنسان معًا. وهو مستعد لسد أعواز شعبه وتهدئة روعهم وتبديد مخاوفهم. ليتنا نزداد ثقة فيه ببساطة القلب.