وصل يوسف إلى مركز المجد والسلطان، بعد أن ألقاه إخوته في البئر، ووضعه الأمم في السجن، فهل استخدم يوسف سلطانه في الانتقام؟ قد تفعل الطبيعة البشرية هذا، ولكن النعمة تتخذ طريقًا آخر. لقد استخدم يوسف سلطانه من مكان الصدارة التي وصل إليها لبركة الجميع. ولكنه بينما أظهر النعمة، لم يتغاضَ عن البر مُطلقًا. ولذلك قبل الحصول على البركة كان لا بد أن يُخضع الأمم له، كما كان لا بد من توبة إخوته أيضًا قبل بركتهم.
لم يَعِر العالم ليوسف انتباهًا في أيام الشبع، ولم نسمع شيئًا عن إخوته مُطلقًا، لقد تجاهلوه تمامًا. ولكن عندما اشتد الجوع ابتدأت الحاجة تظهر. لقد «جَاعَتْ جَمِيعُ أَرْضِ مِصْرَ» (ع55)، وواجه يعقوب وبنيه الجوع والموت (42: 1، 2)، ولقد دَعَتهم الحاجة إلى الصراخ لطلب الخبز. كان على الأمم أن يعلموا، وعلى الإخوة أن يكتشفوا، أن لا أحد يستطيع أن يسد حاجتهم إلا ذلك الشخص الذي احتقروه ورفضوه مرةً. فكان على الأمم أن “يَذْهَبُوا إِلَى يُوسُفَ” ( تك 41: 55 )، وكان على إخوة يوسف أن يسجدوا بوجوههم إلى الأرض أمامه ( تك 42: 6 ).
وكل هذا يتكلَّم بوضوح عن الأمور الآتية. فما أسرع اقتراب «سَاعَةِ التَّجْرِبَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَأْتِيَ عَلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ» ( رؤ 3: 10 ). وسيكون لليهود حينئذٍ «ضِيقٌ عَظِيمٌ» ( مت 24: 21 ). وفي يوم الضيق هذا سيكون المسيح، الذي رُفض وصُلب في أيام اتضاعه بواسطة اليهود والأمم، هو الملجأ الوحيد. ولن يأتي زمان البركة إلا بعد أن يعترف الأمم بالمسيح كرب الأرباب وملك الملوك، كما يهتف اليهود أيضًا، بصدق، قائلين: «مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!» ( مت 23: 39 )، وحينئذٍ سيفتح المسيح الممجد، كيوسف قديمًا، كل مخازن البركة للبشر.