في يونان نرى قديسًا واقعًا تحت تأثير الجسد؛ أي الطبيعة العتيقة الساقطة. فلا أحد ينكر أن الجسد هو الذي دعا يونان إلى الهروب من وجه الرب، وهذا الداعي عينه كان هو الذي ناداه وهو خارج المدينة بعد مُناداته التي جلبت الخلاص، فجلس ليرى ماذا سيفعل الرب. فبدلاً من أن يمتلئ قلبه فرحًا لأجل توبة أهل نينوى، أضحى قلقًا على سُمعته كنبي.
وبينما فرحت السماء، إذ لم يكن خاطئًا واحدًا الذي تاب، بل ربوات من الخطاة، نجد أنه قد «غَمَّ ذلِكَ يُونَانَ غَمًّا شَدِيدًا، فَاغْتَاظَ». لقد كان تقديره لقيمته الشخصية أعظم في نظره من فناء وهلاك أهل نينوى. وبلغت به بلادة الإحساس إلى الحد الذي رفع معه صلاته إلى الله، مُعبرًا عن تلك الأفكار، وكأنه على حق فيها، ملقيًا باللوم على الله «آهِ يَا رَبُّ ... فَالآنَ يَا رَبُّ، خُذْ نَفْسِي مِنِّي، لأَنَّ مَوْتِي خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِي». ولم يكن هذا إلا تفاقمًا للمرض الداخلي الذي كان فيه، ألا وهو الكبرياء، ذلك المرض الكامن في الصدور، والذي يجد فرصته للظهور والنشاط في أي قديس يكون خارج دائرة الشركة مع الله.
وكان في سؤال الرب الرقيق ما يكفي لأن يكسر كبرياء يونان: «هَلِ اغْتَظْتَ بِالصَّوَابِ؟». فلم يوبخه الرب، وإنما فقط سأله هذا السؤال الفاحص، الذي كان يجب أن ينبه عبده، فيقوم على التو ويرجع إلى وضعه الصحيح.
كم مرة وجه إلينا الرب مثل هذا السؤال وهو يغربلنا ليفصل عنا الأفكار والعواطف الدنسة، أو لمنع أرجلنا عن طرقنا الخاصة، ليردنا إلى طرقه التي أهملناها؟ «هَلِ اغْتَظْتَ بِالصَّوَابِ؟»، هل صوابًا أن نُرضي أنفسنا ونهينه هو؟ بكل تأكيد كلا. ولكن العجيب هو بُطء قلوبنا في إدراكها لمدى انحرافها عندما تكون قد تقسَّت بفعل الخطية.