بعد أن انتهت فترة الطوفان وهدأت المياه وانسدَّت ينابيع الغمر العظيم وطاقات السماء، ورجعت المياه عن الأرض رجوعًا متواليًا، أرسل نوح الغراب الذي خرج متردِّدًا، ثم أرسل الحمامة فلم تجد مقرًا لرِجْلِهَا. الأول من الطيور النجسة، والثاني من الطيور الطاهرة، والفروق بين الاثنين كثيرة. ولكن الفرق العام والبارز هو أن الطائر النجس يتغذى بالجِيَف العفنة أو ما شابه. أما الطائر الطاهر فهو يعَاف الجِيَف، ويتغذى ببذور ماتت في الأرض وأُحيِيَت بالقيامة (حشائش أو حبوب).
الطيور الطائرة في السماء، سواء كانت نجسة أو طاهرة، تُشير إلى الطبيعة الروحانية. أما الغراب منها فهو يُشير إلى الطبائع الروحانية النجسة.
أُطلِقَ الغراب من الفلك، فوجد نفسه في مكانه الطبيعي، طعامه يطفو بوفرة على سطح المياه، شيء بلا حدود، لكنه ناتج من دينونة الطوفان، ومثل هذا سوف يحدث عن قريب. فبعد أن تُختطف الكنيسة وتأتي ضيقة يعقوب (المُمثَّلة في الطوفان)، والتي سوف تَعُّم كل العالم، وقبل بداية المُلك الألفي، سوف تُبسَط أمام طيور السماء وليمة عظيمة، فيها لحوم ملوك وقواد وأقوياء وعبيد وأحرار، صغار وكبار ... لحوم الأشرار والمقاومين للإله العظيم (رؤ19). بعد ذلك يبدأ عصر جديد يغيب منه الشيطان وجنوده إلى زمان يستمر طيلةَ الألف سنة.
أما الحمامة فلم تجد مستقرًا لها، فعادت إلى الفلك حتى تبلغ الدينونة منتهاها وتفعل فعلها الرهيب. والحمامة هي طير الطهارة والمحبة، وترمز إلى الروح القدس؛ روح القداسة الذي لا يجد راحته ومستقره إلا في نفوس تطهرت بالإيمان (بعد انقضاء دينونة الصليب). خرجت الحمامة مرة أخرى من الفُلك، فرجعت وفي فمها ورقة زيتون خضراء تؤكد انتهاء الدينونة وبداية عصر السلام مع الله ( رو 5: 1 ).