يُمثل قايين مسار الإنسان الطبيعي على الأرض وهو في خطاياه؛ صورة للإنسان العابد لله، والمُتجه إليه مُقدِّمًا عمل يديه وثمر تعبه، وهو غير مُرتاب من قبول الله له من عدمه. قايين لم ينقصه “التدين” كما يقول الناس، فهو أول المُتدينين على وجه الأرض، ديانة الجسد، وطريق الإنسان. إننا كبشر لا نستطيع أن نعيش دون استنشاق الهواء، هكذا الخاطئ لا يمكن أن تستقيم حياته مع الله دون الإيمان. وهذا ما افتقر إليه قايين «وَلَكِنْ بِدُونِ إِيمَانٍ لاَ يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ» ( عب 11: 6 ).
قايين هو الأب الأكبر والصورة الأصلية لفريق من الناس يُشكِّلون السواد الأعظم، وهم في نظر أنفسهم أبرار لا يحتاجون إلى التوبة. يجهلون شر قلوبهم وفساد طبيعتهم من ناحية، ونعمة الله وبرَّه من الناحية الأُخرى «لأَنَّهُمْ إِذْ كَانُوا يَجْهَلُونَ بِرَّ اللهِ، وَيَطْلُبُونَ أَنْ يُثْبِتُوا بِرَّ أَنْفُسِهِمْ لَمْ يُخْضَعُوا لِبِرِّ اللهَِ» ( رو 10: 3 ). لهم طريقهم الخاص للاقتراب إلى الله، فيتقدَّمون إليه بذواتهم، ظانين أنهم يُداينون الله بأعمالهم، وكالفريسيين الذين يُظهرون أنهم أكثر الناس غيرة لله وناموسه، وهم في الحقيقة أكثر المُضادين له «وَيْلٌ لَهُمْ لأَنَّهُمْ سَلَكُوا طَرِيقَ قَايِينَ» (يه11).
قايين ومَنْ هم على شاكلته، لديهم من الأسئلة الغبية الكثير: لماذا الذبيحة؟ وأي سرور لله في موت البديل؟ وهل يُعقَل لموت البريء وغير المُذنب أن يُكفِّر ويرفع خطية المُذنب؟ يحاج ويناقش كثيرًا ويرفض الذبيحة، ثم يُقدِّم من ثمر الأرض الملعونة. يغتاظ، لكن ليس بالصواب، يغتاظ من شهادة أخيه لأنها تطعنه في كبريائه الفريسية، ومن شهادة الله لأنها تكشف عدم قدرته على خلاص نفسه. شخص لا يسمع لصوت الله لكي يرفع وجهه، لكن بخبث يتقدم فيذبح شقيقه. وأخيرًا هو لا يبالي بفعل الخطية، لكن يتذمر كثيرًا من عقابها «وَأَحَبَّ اللَّعْنَةَ فَأَتَتْهُ، وَلَمْ يُسَرَّ بِالْبَرَكَةِ فَتَبَاعَدَتْ عَنْهُ» (مز109).