صُلب الرب يسوع في الساعة الثالثة من النهار ( مر 15: 25 )، والتي تُعادل التاسعة صباحًا بتوقيتنا. وبينما كان الرب يعاني من آلام الصلب الرهيبة، كان البشر من مختلف الطبقات يسخرون منه ويُعيِّرونه. ولقد وصلته الكثير من كلمات السخرية والتحدي. لكن كلمات التحدي في هذه المرة كانت تلمس مجده كابن الآب. فهؤلاء الأشرار شكَّكوا في مشاعر المحبة التي تربط بينه وبين أبيه؛ الشـركة الأبدية بين الأقانيم الإلهية، والتي تُرجمت أثناء وجود المسيح في هذا العالم باتكاله المستمر على إلهه، ذاك الذي كان شعاره: «اِحفَظنِي يا اللهُ لأَنِّي علَيكَ توَكَّلتُ» ( مز 16: 1 ).
وهؤلاء الأفاقون من رجال الدين، أ لم يقرأوا إشعياء 53؟ أ لم يقرأوا العددين 9، 10 أن الرب سُر بأن يسحقه بالحزن، ذاك الذي لم يفعل ظلمًا، ولم يكن في فمهِ غش؟
ويأخذنا العجَب كيف أن كلمات القادة كانت اقتباسًا من مزمور 22، ودلَّت على العمى الذي أشار إليه الرسول فيما بعد قائلاً: «لأَنَّ السَّاكِنِينَ فِي أُورُشَليمَ ورُؤَسَاءَهُم لَم يَعرفُوا هذَا. وأَقوَالُ الأَنبِيَاءِ التي تُقرَأُ كلَّ سَبتٍ تَمَّمُوهَا، إِذ حكَمُوا علَيهِ» ( أع 13: 27 ). فبينما كانوا يفرغون كل المرارة المتراكمة في قلوبهم، والتي أزكاها الشيطان نفسه، فإنهم - ودون أن يَدروا - كانوا يُتممون نبوة إضافية وردَت عن المسيح على فم داود النبي، إذ يقول: «أَمَّا أَنَا فَدودَةٌ لا إِنسَانٌ. عَارٌ عندَ البَشَـرِ ومُحتقَرُ الشَّعب ... يَستهزِئُونَ بِي ... قَائلينَ: اتَّكلَ على الرَّبِّ فَليُنَجِّهِ. ليُنقذهُ لأَنَّهُ سُرَّ بِهِ» ( مز 22: 6 -8). نعم، لقد سرّ به الآب كل السرور، وأعلن ذلك أكثر من مرة ( مت 3: 17 ؛ 17: 5). وطبعًا نحن لا نفهم من هذا أن هؤلاء الأشرار اقتبسوا كلمات المزمور، بل أن المزمور هو الذي سَجَّل ما كانوا سيقولونه قبل ألف عام من حدوثه.
لكن أيَّ رد على تلك السخريات القاسية نسمعه من فم ذلك المتألم البار؟ لا شيء على الإطلاق. يقول عنه الرسول بطرس: «الذي إذ شُتِمَ لَم يكُن يَشتِمُ عِوَضًا، وإِذ تأَلَّم لَم يكُن يُهَدِّدُ بل كانَ يُسَلِّم لمَن يقضي بِعَدلٍ» ( 1بط 2: 23 ). ويقول عنه إشعياء النبي: «كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلى الذَّبحِ، وكنعجَةٍ صَامتةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فلَم يَفتح فَاهُ» ( إش 53: 7 ). أما هم أولئك الأشرار القساة، فسيجاوبون يومًا عن كل تلك الإهانات أمام الديان الأعظم ( مز 69: 9 ؛ يو5: 22 -23).