إننا إذ نتكلَّم عن الكتاب المقدس، فإنما نتكلَّم عنه ككتاب، وقلَّما نفتكر فيه كمكتبة تحتوي على ستة وستين مجلدًا منفصلاً، قام بكتابته أربعين كاتبًا مختلفًا، وفي ثلاث لغات مختلفة، ويتناول مواضيع متنوعة، وتحت ظروف مختلفة. كتب أحدهم في التاريخ، وآخر بعض سير البشـر، وتولَّى آخر الكتابة في الحقائق العلمية، وآخر في الحقائق الإلهية، وغيره في الشِعر، وآخر في النبوة. وكتب البعض في القانون والشـرائع، وآخرون في الأنساب والسُّلالات، آخرون في القصص والأسفار التي تحتوي على مغامرات مُدهشة، ومع ذلك فهذه كلها مجموعة في كتاب صغير بحيث يستطيع طفل أن يحمله بيده الصغيرة. والعجيب أن هذه المجموعة من الكتابات المتفرقة لم توحّد في مجلد واحد فحسب، ولكنها بعمل الله قد توحَّدت بحيث لا يمكن أن يتطرَّق الشك إلى كائن ما في أنه كتاب واحد.
ومن أهم ما يتميَّز به هذا الكتاب العظيم هو أنه يُقرأ من كل الطبقات، ومن جميع أجناس البشـر. إننا نعلم جيدًا أن رجال الآداب لا يقرأون كتب الأطفال، كما أن الأطفال لا يَقدمون على قراءة كتب الفلسفة والعلوم، فإن الكتب الفلسفية أو العلمية تنال اهتمام رجل الأدب أو رجل العلم، وكتب الأطفال تختص بها حجرات الصغار. فما أعجب أن يوجد لدينا كتاب يخالف غيره من الكتب، فمنه يُقرأ للطفل، كما يقرأه مَنْ تقدَّمت به الأيام وهو يرتعش على حافة العالم الآخر. منذ سنوات مضت سمعتُ مربيةَ طفلتي تقرأ لها قصة فقلت: ”ماذا تقرأين للطفلة الصغيرة؟“ فأجابت: ”إني أقرأ لها من الكتاب المقدس قصة يوسف“. وإذا بالطفلة الصغيرة تصيح في ثورة: ”أرجوك يا أبي لا تقاطعها. أرجوك“. وفي لهفة وشوق ظلت تصغي إلى قراءة كتاب كان يومًا مكتوبًا بالعبرية منذ نحو ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة مضت. وفي حجرة ثانية لا تبعد كثيرًا عن الحجرة حيث كانت الطفلة تصغي بشغف إلى قراءة الكتاب، هناك جلس شخص ذو عقل جبار من أبرز العلماء العصـريين وهو العالم الكندي السير ”وليم دوسون“ رئيس جامعة ”ماكجل“ بمونتريال، كان يقرأ بتعبُّد عميق وشغَف أسمى، ذات الكتاب الذي استحوَذ على قلب الطفلة الصغيرة. إن أولادنا وبناتنا يقرأونه ويدرسونه في البيوت ومدارس الأحد، في حين أن مشاهير العلماء، والعظماء في السياسة، والمُحاربون جبابرة البأس، كان لهم هذا الكتاب للفرح والإرشاد في الحياة. حقاً إنه كتاب لا مثيل له.