لا شيء يحدث بالصدفة في عالم تحت السيطرة الإلهية. إنه العلِّي المُتسلِّط في مملكة الناس، وعنده الحكمة في كل ما يسمح به. وقد لا نفهم الآن ما هو صانع، لكننا نثق ونطمئن أنه يعرف ما يفعله، إذ مكتوب: «هُوَ عَلِمَ مَا هُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَفْعَلَ» ( يو 6: 6 ). وإن كنا لا نفهم لماذا يسمح بالكوارث أو تفاقم الشـر، لكننا لا نشك لحظة في أنه مُطلَق الصلاح ولا يُخطئ على الإطلاق. فسواء كانت الأحداث المأساوية دينونة مباشرة أو غير مباشرة من الله على الأشرار، أو كانت معاملات للتدريب والتنقية للمؤمنين، فهو صاحب السلطان ويملك الزمام، ويحتفظ لنفسه بحق التدخل في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة، ويجعل «كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ» ( رو 8: 28 ). ولنعلم أنه ليس هو مصدر الشر، فهو نبع الخير والصلاح دائمًا، «إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ» ( 1يو 1: 5 )، لكنه قد يسمح بالشـر ولا يمنعه، وإنما يتحكَّـم فيه، ويُسخِّره ليخدم مقاصده. وهذا ما نراه في قصة يوسف حيث قال لإخوته: «أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا، أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرًا» ( تك 50: 20 ). وأعظم استعراض للكيفية التي انتصر بها الله على الشر كانت في مأساة الصليب. هناك وصل شر الإنسان المُتعمِّد وعداوته إلى الذروة، حيث صلبوا رب المجد مُعلِّقين إيَّاه على خشبة، وهناك أيضًا ظهرت محبة الله المُطلَقة التي انتصـرت على الشـر في أسمى صورة. لقد فعلوا كل ما سبَقت فعيَّنت يد الله أن يكون، دون أن يُدركوا ذلك، فتحققت أعظم النتائج لمجد الله وبركة الإنسان بركة أبدية من خلال الصليب «يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ .. وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ! لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ؟ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا؟» ( رو 11: 33 ، 34). وعلينا أن نتأكد أن ديَّان كل الأرض يصنع عدلاً، وأنه بار في كل طرقه ورحيم في كل أعماله.
ليس غريبًا أن نرى صورًا مُتعدِّدة للمآسي والكوارث، فهي حصاد الخطية التي دخلت إلى العالم، وجعلت الخليقة كلها تئن وتتمخض معًا. ونحن أنفسنا نئن في أنفسنا، لأننا ما زلنا في الأجساد الترابية، وفي أرض الشقاء والعناء والفناء. ولكن على أساس عمل الصليب ستُرفع خطية العالم وتزول كل الآثار المُحزنة التي ترتبت على ذلك.