المحبة صفة جوهرية في أولاد الله. إن الوصية التي أخذها الرسول من الرب يسوع هي أن: «مَن يحب الله يحب أخاهُ أيضًا». وفوق ذلك فإن رسول المحبة يُعلِن نشأتها ومصدرها الإلهي حين يقول: «المحبة هي من الله، كلُّ مَن يحب فقد وُلِدَ من الله ويعرف الله». ثم يكشف يوحنا عن بواعث المحبة المسيحية إذ يقول: «نحن نُحب» - على وجه الإطلاق - «لأنهُ هو أَحبَّنا أولاً»؛ أي أننا لسنا نحب الله فقط، بل كذلك نحب أحدنا الآخر، لأنه هو أحبنا أولاً ( 1يو 4: 7 ، 19-21).
فالمحبة، في ميدان حياة المؤمن، لها اتجاهان: فنحن أولاً: نحب الله، وثانيًا: نحب أولئك الذين هم مثلنا مولودون من الله.
وممارسة المحبة في كِلا الاتجاهين عملية تلقائية في كل قدِّيس، إذ نحب الله ونحب الإنسان. والواقع أن يوحنا يُشدِّد في هذه النقطة وهي أنه إذا لم تتوفَّر محبة المنظورين، فإن الادّعاء بمحبة مَن لا ننظره، ادّعاء لا يقوم على أساس «إن قال أحدٌ: إني أُحب الله وأبغضَ أخاهُ، فهو كاذبٌ. لأن مَن لا يُحبُّ أخاهُ الذي أبصَرَهُ، كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يُبصِرهُ؟» ( 1يو 4: 20 ).
نحن نعلم أن وصايا الناموس العشر تدخل في تلخيصها تحت بَندين: (1) «تُحب الرب إلهكَ من كل قلبك، ومن كل نفسِكَ، ومن كل قدرتك، ومن كل فكرك». (2) «وقريبَكَ مثل نفسِكَ» ( لو 10: 27 ).
على أن الناموس لم يكن في مقدوره أن يُنشئ هذه المحبة في الإنسان في ما كان ضعيفًا بالجسد. بيد أن العهد الجديد يُعلن أن ما كان يتطلَّبه الناموس من الإنسان، كنتاج قلبه وقدرته وفكره، تُنشئه النعمة في القلب بواسطة العمل الإلهي. وذلك أن الروح القدس يسكن الآن في القلب المُتجدِّد، كما أن مطاليب الناموس البارة تتم فينا نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح ( رو 8: 3 ، 4).
كل واحد من أولاد الله يُحب، ليس لأن وصية مُعطاة له أن يُحب، بل لأن وظيفة الطبيعة الجديدة هي أن تُحب. أما الباعث الذي يدفعنا على المحبة فذلك نجده في إعلانات محبة الله العظيمة من نحونا، وتلك حقيقة خارجة عن ذواتنا. «نحنُ نُحبُّهُ (أو بالحري نحن نحب) لأنه هو أحبَّنا أولاً». وعمل الروح القدس في داخلنا يزوِّدنا بإرادة ممارسة هذه المحبة والقدرة على ممارستها.